ارشيف الذاكرة .. طردي من المدرسة
يمنات
أحمد سيف حاشد
في مدرسة “الوحدة” أتممت الصف الرابع، و في مستهل الصف الخامس تم طردي من المدرسة من قبل المدير الجديد .. قرار الفصل من المدرسة سواء كان قرار مؤقتا أو طويلا قرارا معناه تهديدك بالجهل أو إرغامك عليه .. معناه أنك لن تجد بديلا عن مدرستك، و إن وجدتها فلن تجدها إلا بمكان قصي، و سفر بعيد، و بكلفة ستظل ترافقك و تدفع الثمن طوال العام، و هذا بالفعل ما حدث معي..
ياسين أحمد حسن كان حينها مديرا للمدرسة، و هو خالي ابن عم أمي .. كان جده حسن مانع شيخا حازما و قويا ذائع الصيت .. و كان حفيده ياسين أيضا صارما في إدارته للمدرسة التي أدرس فيها، و كنت على ما أظن أول طالب أصابته تلك الصرامة التي وصلت لقرار الفصل .. قرر فصلي ما يقارب الاسبوعين، فثرت و قلت صارخا في وجهه: “العن أبوها مدرسة” فانقلبت لعنتي على رأسي، فظلت تلاحقني مدة عام كامل و طويل..
كان هذا المدير حازما حيالي، و لم أتصور أن يفعلها، و يفصلني من المدرسة .. حتى إعادة النظر بقرار الفصل من الدراسة كانت صعبة أو مستحيلة .. الفصل جعلني أشعر بخواء أفهمني بقيمة المدرسة و التعليم .. عندما يذهب أقرانك إلى المدرسة و لا تذهب أنت، تشعر بحجم الفجوة التي أصابت حياتك، و تهدد بإعطاب مستقبل ترنو إليه .. عندما يفوتك عام دراسي و تتخلف عن أقرانك سنة دراسية كاملة تشعر بفداحة الخطأ و الحماقة التي ارتكبتها .. شعرت أنا و والدي بأهمية البحث عن بديل بعد أن تعذر غيره، و أحسست بكلفة المشقة التي يتعين أن أتحملها أنا و بمفردي..
تركت مدرسة الوحدة في قريتي “شرار” الشمالية، و انتقلت للدراسة في مدرسة كائنة فيما كنّا نسميه الشطر الجنوبي الحبيب .. كانت مدرسة “شعب” أفضل من مدرستنا و بأضعاف، بل كان الفارق بينهما لا يقارن، و من كل النواحي .. المشكلة كانت فقط في المسافة الطويلة بين قريتنا و هذه المدرسة..
كانت مدرسة “شعب” في منطقة شعب المؤدية إلى طور الباحة، تحت سيادة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، و أبوابها كانت مفتوحة للطلاب القادمين من المناطق المجاورة في الشمال .. كانت تبعد عن قريتي أكثر من 10 كيلو متر، و كان يجب عليّ أن أقطعها كل يوم دراسي ذهابا و إيابا..
ظل خالي ياسين أحمد حسن مدير مدرسة الوحدة سابقا، و الذي صار اليوم دكتورا صيدلانيا يسألني بضعة (شلنات) ما زالت عالقة و مقيدة دينا في ذمتي إلى اليوم .. لا زال مقيدها في أحدى دفاتره المخصصة بديون طلابه .. و مع ذلك لم يبق لي غير الامتناع عن تسديد ذلك الدين، و هو الرد الذي أجده بيدي على عقوبة طردي من المدرسة .. و مع ذلك ظل خالي العزيز، و استاذي الذي لا أنكر فضله حال ما كنت طالبا لديه، و ربما بات ملاذي إن احتجت إليه..
***
يتبع..
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.